شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
محاضرات بعنوان: عناية السلف بالحديث الشريف
14292 مشاهدة
عبد الله بن عمرو وكتابة الحديث

كان من جملة الذين يروون الأحاديث عبد الله بن عمرو بن العاص وكان كاتبا؛ فكان إذا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا كتبه، فأنكر عليه بعض الصحابة وقالوا: إنك تكتب الأحاديث، وقد يكون النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في غضب أو نحو ذلك فكيف تكتب ما تكلم به من غير قصد؟ يقول: فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده لا يخرج منه إلا حق، وأشار إلى فمه لا يخرج مني إلا حق. زكاه أبو هريرة فقال: ليس أحد أكثر مني حديثا أو أحفظ إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب؛ هكذا ذكر السبب أنه كان يكتب.
ثم إنه رضي الله عنه كتب أحاديث في صحيفة، وتلك الصحيفة يسميها (الصحيحة) أو تعرف بالصحيحة. رواها عنه ابن ابنه واسمه شعيب روى تلك الصحيفة. قالوا: فيها أكثر من ثمانين حديثا، وروى أحاديث أخرى أيضا ما كتبها في تلك الصحيفة، ثم روى تلك الصحيفة أيضا عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده عبد الله فاشتهر رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لتلك الصحيفة التي تسمى الصحيحة، وقد جمع أحاديثها الكثيرة بعض المتأخرين وصححوها، وكأنهم طبعوها مفردة. أرادوا بذلك أن الصحابة اهتموا بكتابة الأحاديث ولو كانوا في زمن قلة من الإمكانيات.
مما يدل على أن الحديث كان محفوظا؛ بحيث يحفظونه في أوراق حتى لا يتغير، وذلك لأن الحفظ قد يتغير، وأما الكتابة فإنها تبقى؛ ولذلك قال بعض العلماء: اكتبوا ما تسمعون فإن ما كتب قر، وما حفظ فر إن الإنسان عرضة للنسيان إلا من وهبه الله تعالى حفظا وفهما.